اللصة "الأنيقة"

كانت تعاني من الفاقة. بعد طلاقها، أصبحت تربي ابنها الوحيد، والمبلغ الذي يرسله إليها زوجها كل شهر لا يكفي احتياجات الطفل الذي بدأ يراقب إعلانات التلفزيون ويطالب بالأشياء المبهرة ويصدر بكاء حاداً حينما لا تتوفر وسائل اللعب والتسلية التي تؤثر في رغباته.
حاولت إغلاق الجهاز أثناء كثافة الفترات الإعلانية، لكن الصغير صار واعياً وهو في الخامسة، ويصر على المشاهدة بدموع قاهرة. من أجل طفلها حرمت نفسها ما تتمناه. أصبحت ألبستها قديمة، وصارت تخجل من جاراتها وصديقاتها...
وذات يوم قالت لها إحدى الجارات ان طلاقها كان مبنياً على قرار خاطئ، وكان الأجدى أن تستمر في حياة زوجية توفر لها وسائل الحياة الضرورية، وهذه الألبسة التي ترتديها أصبحت مهلهلة وقديمة حينها شعرت بالإحباط الشديد خاصة وأنها تفقد أنوثتها وهي مهلهلة الألبسة وعليها أن تشتري قطعة واحدة كل شهرين على الأقل، لتكون أنيقة في نظر الجميع، ليبرز جمالها بشكل أفضل وتحصل على زوج جديد يوفر لها حياة كريمة.

ذات يوم رأت فستاناً أنيقاً داخل واجهة محل أزياء. قرأت السعر المكتوب عليه، وكادت تصاب بالإغماء. وفكرت بسرعة، ودخلت المحل، وبدأت تجرّب مجموعة أزياء مختلفة، وحينما خرجت من المحل معتذرة كان الفستان مخفياً تحت ألبستها المهلهلة، فحينما ارتدته قررت ألا تخلعه إطلاقاً.

في يوم آخر، دخلت إلى محل ألبسة وبدأت تجرّب موديلات عديدة. ارتدت تايوراً من الجلد تحت ألبستها الواسعة، واعتذرت، وهمت بالخروج، لكن رجلاً أنيقاً وهادئاً نزل من الطابق العلوي واعترض خروجها بذوق ورقة، وهمس في أذنها، مشيراً إلى أنه سيقدم إليها تايور الجلد هدية متواضعة وما عليها سوى أن تجلس معه على انفراد ليعقد معها اتفاقاً مفيداً.

في مكتبه بالطابق العلوي، أثنى الرجل على خطتها الذكية. لن يكتشف الموظفون أن المرأة الأنيقة أخفت قطعة من الألبسة تحت ألبستها. وأكد لها بحماس أنها مهيأة للحصول على ثروة هائلة، وسوف يرشدها بطريقته الخاصة ويدلها على محلات أزياء تعرض ماركات مرتفعة الثمن، لا تضع كاميرات سرية في الطوابق العليا، كما يفعل هو. وعرفت أن خطتها انكشفت لأن الرجل يراقب محله من مكتبه، ولن تهتز ثقتها بذكائها مرّة ثانية، كما أنها ستنهي حاجتها للمال بسرعة شديدة، وعليها أن تجري اتفاقاً مع هذا الرجل الذي سيشتري منها الألبسة المسروقة.

نظر إليها المحقق بهدوء مستغرباً كيف تحولت إلى سارقة للأزياء الأنيقة في المحلات الضخمة، حتى وقعت في شر أعمالها، وقادها رجال الشرطة إلى هذا القسم.

وصرخت مؤكدة أنها بريئة، وليست سارقة، وهذا الرجل عصام أوقعها في الخطأ.

وطلب منها قاضي التحقيق أن تساعده للإيقاع بعصام ليطلب لها حكماً مخففاً، وبدأ بوضع التفاصيل حول خطة محكمة للقبض على عصام.

أكد لها أنها ليست المرأة الأولى التي تقع صريعة اغراءات هذا الرجل. انه منذ سنوات يستعمل هذه الطريقة لتحقيق ثراء مستمر. تسرق المرأة التي تعمل تحت إداراته قطعة ألبسة مرتفعة الثمن، فيقدّر قيمتها الحقيقية بنصف الثمن وهو يؤكد لها أن السعر المكتوب قابل للحسم دائماً، وما يقدّره هو السعر الصحيح، وعليها أن تقبض ربع هذه القيمة لأنه هو المسؤول عن وجود قطعة أزياء مسروقة من محل آخر في محله.

وأشار قاضي التحقيق بضيق واضح أن عصام قادر على الإفلات من العدالة بذكاء. وقبل عدة أشهر، تم القبض على امرأة تتعامل معه. اعترفت بسرقاتها، وذهبت مع رجال الشرطة إلى محل عصام وأشارت إلى قطع الأزياء التي قدمتها إليه، لكنه أنكر معرفته بالمرأة، وجعل موظفينه يشهدون أنهم لم يرونها إطلاقاً، وهم صادقون لأنها كانت تدخل من باب البناية حينما تزوره في مكتبه، وحينها نجا عصام من جريمة السرقة، ووقعت المرأة في قبضة العدالة.

في اليوم التالي، دخلت منى محل الألبسة الذي حدده لها قاضي التحقيق بعد إجراء اتفاق مسبق مع صاحب المحل، وطلبت بعض القطع لتجربها في الغرفة المهيأة لتجريب الألبسة، وارتدت قطعاً ثمينة تحت ألبستها، وخرجت بهدوء.

حين صعدت إلى مكتب عصام بواسطة دخولها من باب البناية، بدت ابتسامته واسعة وهو ينظر إلى المغلف البلاستيكي الضخم. أبدى إعجابه بنتائج هذا اليوم، وشجعها على الاستمرار بهذا الاندفاع الشديد، ووضع الأزياء أمامه وهو يومئ بارتياح واضح. أمسك الآلة الحاسبة وبدأ يقرأ الأسعار المكتوبة ويضع الأرقام مع بعضها، ثم أجرى عملية حسابية سريعة، وأخرج رزمة مالية ووضعها أمام منى وهو يردد عباراته المشجعة، وفجأة دخل من الباب رجال الأمن، وأمسكوا بالأزياء المتناثرة على طاولة مكتب عصام، وبالرزمة المالية الممسوكة بأصابع منى.

أمام قاضي التحقيق في قسم الأمن الجنائي، كان عصام يقف مرتجفاً. اعترف بخططه السابقة، بينما المحقق يواجهه بالوقائع والأسماء والتواريخ القديمة. ونظر عصام إلى منى باستغراب واضح. كانت هادئة ومتماسكة. وقال لها بإدانة بالغة: أنت تركت باب المكتب مفتوحاً ليدخل رجال الأمن ويلقون القبض عليّ متلبساً بشراء ألبسة مسروقة.

قالت بحدة: كان يجب أن تنال جزاء أعمالك ولا تنجو كما نجوت في السابق حين وقوع النساء المتعاملات معك في قبضة رجال الأمن.



منقــووووول